تكثر الدلالات التي تشير إلى أن تركيا استطاعت أن تصبح لاعبًا أساسيًّا في ال​سياسة​ الدولية، حيث راقب العالم أجمع باهتمام كبير نتائج الانتخابات الرئاسية التركية، بسبب السياسات الخارجية المستقلة التي اعتمدها الرئيس رجب طيب أردوغان طوال ال ٢٠ سنة الماضية، ما وضع الجمهورية التركية في قلب المعادلة الدولية كلاعب أساسي قدّم مصلحة بلده على سائر المصالح .

كما شكلت السياسة الخارجية عاملاً مهماً في توجهات الناخبين، نظراً لارتباطها بالعامل الأكثر تأثيراً في الانتخابات وهو الاقتصاد.

وعمدت المعارضة في دعايتها الانتخابية على مهاجمة السياسة الخارجية لأردوغان، وتوعدت في حال فوزها بإجراء تغييرات جذرية في هذه السياسة، منها التوجه إلى اتباع علاقات إيجابية مع الغرب، وانسحابات عسكرية من بعض الدول، على الرغم من تمكن هذه السياسات من تخفيف وطأة الأزمات العالمية على تركيا في السنوات الأخيرة مثل زيادة أسعار الطاقة والسلع الغذائية بسبب جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية إلى جانب العبء الاقتصادي الثقيل الذي أحدثه الزلزال الأخير المدمر.

في السنوات الأخيرة، عززت السياسة الخارجية لتركيا من حضورها الإقليمي بالمنطقة اعتماداً على العامل العسكري، إذ تتمتع بوجود عسكري في كل من سوريا وليبيا والعراق. كما تقدم خدمات واستشارات عسكرية بالعديد من الدول الأفريقية، بالإضافة لأذربيجان حيث ساهمت أنقرة في دعم الأخيرة في حربها مع أرمينيا وتحرير إقليم ناغورنو قره باغ.

ومن المؤكد أنها ستتابع في سياساتها المعتمدة في التقارب مع الدول وعلاقاتها متعددة الاتجاهات في جمع الدول المتحاربة، كما حصل بين روسيا واوكرانيا وجهودها الحثيثة لجمعهم على طاولة واحدة. ما أبرز السياسة الخارجية المستقلة لتركيا ودورها في المنطقة، لا سيّما في عملية وساطتها في اتفاقية الحبوب وحل أزمة الغذاء التي هزّت العالم.

ويبدو تعيين هاكان فيكان وزيرا للخارجية أن تركيا ستستمر في سياستها الخارجية النشطة على النحو نفسه، نظرا لرؤية فيكان واطلاعه أكثر على تفاصيل العلاقات الخارجية، كونه كان رئيسا سابقا للمخابرات وترأس وكالة التعاون والتنسيق التركية (TIKA) لفترة -وهي منظمة حكومية معروفة بمشاريعها الثقافية في مختلف أنحاء العالم- ما أكسبه خبرةً كبيرة في جانب القوة الناعمة للسياسة الخارجية، إضافة إلى القوة الصلبة التي نجح فيها خلال فترة رئاسته للمخابرات.

كما يؤكد مطلعون أنه سيزداد اهتمام تركيا بالعالم الإسلامي والعربي وإفريقيا، إلى جانب أمريكا اللاتينية وآسيا الوسطى والبلقان بشكل واسع.

ومن النجاحات التي تُحسَب لحزب العدالة والتنمية في سياساته الخارجية، اهتمامه الكبير بالعلاقات مع العالم الإسلامي، وقد ظهر هذا الاهتمام في ترؤس تركيا لمنظمة التعاون الإسلامي، وزيادة بعثاتها الدبلوماسية وزياراتها، بجانب تعاونها التجاري مع عديدٍ من البلدان الإسلامية.

سيحافظ مسار تحسين العلاقات مع دول المنطقة على زخمه، وقد تشهد المرحلة المقبلة اختراقاً في علاقات تركيا مع مجموعة جديدة من دول المنطقة.

إن ملف النزوح السوري الذي تسبب لأردوغان بخسارة الكثير من شعبيته، فقد بدأ فعلياً قبل أشهر مسيرة التطبيع مع دمشق، محدداً أهدافه بإعادة "طوعية" للاجئين ومحاربة "الإرهاب" وتطبيق الانتقال السياسي.

ولهذا الغرض، عقدت لقاءات استخبارية وعلى مستوى وزراء الدفاع والخارجية، ضمّت تركيا وروسيا وإيران وسوريا، وقد يسهم فوز أردوغان بدفع مسار التطبيع مع دمشق للأمام.

والأمر نفسه قد ينطبق على العلاقة مع مصر التي ستتعامل مع حقيقة بقاء الرئيس أردوغان في الحكم 5 سنوات مقبلة.

وستكون أيضا العلاقات مع العراق ذات أهمية حاسمة، فمن جهةٍ ستتلقى تركيا رداً على دعواتها ضد منظمة PKK الذي يتواجد في شمال العراق، ومن جهة أخرى ستدعم تركيا تطلعات العراق الذي أنهكته الصراعات، في الاستقرار والتنمية.

وفي الختام، إن الفوز المريح الذي حققه أردوغان في الرئاسة والبرلمان سيعمل على تعزيز وجذب الاستثمارات الأجنبية نظرا لما ستتمتع به تركيا من هدوء واستقرار سياسي للسنوات الخمس القادمة.

وستحافظ تركيا على مكانتها المهمة في السياسة الدولية وستعززها أكثر في ظل بيئة خارجية مضطربة قد تحمل تحولات كبيرة في أي وقت.